الميدان والمدرج
كلنا نعيش في ميدان. الميدان هو ساحة الحياة اليومية. نتحرك به.. نحاول ونحلم ونجتهد ونتفاعل ونغضب ونتحمس ونحزن. نبني علاقات جميلة وقد نتعثر وقد ننزف وقد نفوز. بالميدان نحن بوسط معركة الحياة بكل جوانبها. نراها من منظورنا الشخصي ومن خلال أفكارنا ومعتقداتنا. فنرى فقط ما يناسبنا ويقوم عقلنا بتصفية أي شيء بعيد عنا أو مختلف وكأنه غير موجود.
في الميدان.. الحكم على ما يحدث لنا يكون متحيزاً وضعيفاً.. يصعب علينا أن نرى كل الصورة. يصعب أن نرى ماذا يحدث خلفنا وعن اليمين والشمال كله في آن واحد. لهذا أنت تحتاج كل فترة لأن تترك الميدان وتصعد إلى المدرّج.
خذ معك فنجاناً من القهوة واجلس على كرسي وراقب حياتك من بعيد. انظر إلى نفسك بين الجموع الكثيرة والناس المختلفة. من أنت؟ كيف تتحدث مع عائلتك وأصدقائك؟ هل أنت سعيد؟ ماهي صفاتك؟ ما هو أثرك الحقيقي؟ كيف تتواصل مع غيرك؟ كيف تغضب؟ ماذا يحدث من حولك؟ ماذا يحدث في أمتك وعالمك؟ ماهي الاختراعات والمجالات الجديدة حولك؟ ماذا ينتظرك في المستقبل؟ ماذا يريد العالم منك؟ لماذا أنت هنا؟
أنا أعلم انها أسئلة ثقيلة جداً لكن سأقول لك كيف ستجعل هذا التمرين أقل صعوبة وأكثر متعة.. .
انظر إليك بحياديه وكأنك شخص لا تعرفه.. نعم .. اجلس واشرب القهوة بينما تشاهد نفسك من بعيد وكأنك شخص غريب لديك فضول عنه. لا تحزن اذا وجدته وحيداً أو ضائعاً ولا تفرح اذا وجدته ناجحاً. فقط انظر وشاهد ودوّن ملاحظاتك
ثم اسأل نفسك… ماذا يحتاج الشخص الذي اشاهده لتصبح حياته ذات معنى أكثر وسعادة وامتلاء؟ ماذا تعتقد يجب أن يتغير؟ ماهي الصفات التي يجب أن تتغير فيه حتى يصبح من حوله سعداء أكثر..
هذا التمرين ليس لجلد الذات.. ليس لتقدير الذات.. هذا تمرين يدربك على النظر إلى نفسك بحياديه ووعي حتى تستطيع أن ترى الأشياء التي يصعب أن تراها وأنت في معركة حياتك. لترى ما لذي تخسره بسبب اختيارك وما الذي تربحه. .
مع الوقت ستحب المدرج. ستجد فيه استراحة المحارب.. سيكون كالخلوة.. وستجده المرجع الحيادي الصحيح لترى الصحيح والخاطئ.. الحق والباطل.. والمسؤولية والواجبات. المدرج سيجعل منك حكيماً في حال التزمت بشرط الحيادية والنظرة الشمولية من غير حكم على ما يحدث حولك.